العصبية عند الاطفال

ليست هناك تعليقات


لا شك أن العصبية تكون بشكل عام عند معظم الأشخاص، كبارًا كانوا أو صغارًا، ولكن تختلف عصبية الكبار وأسبابها ودوافعها، عن عصبية الأطفال الصغار، ومرحلة الطفولة حتى مرحلة ما قبل المدرسة، ولا شك أن هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى العصبية عند الأطفال، بالإضافة إلى كثير من الدوافع التي تؤدي في النهاية إلى نشأة الطفل العصبي، فما هي تلك الدوافع والأسباب التي تصنع العصبية لدى الأطفال؟ وما هي أهم الحلول للقضاء على تلك العادة السيئة منذ الصغر؟

الأسباب الرئيسية وراء العصبية عند الأطفال:
في هذا الصدد يؤكد الدكتور سعيد أبو العزم - أستاذ علم النفس التربوي - على أن معظم المشكلات النفسية للأطفال هي مشكلات مكتسبة من الواقع الخارجي، وليست فطرية أو موروثة؛ مما يعطي دفعة إيجابية للأسرة؛ فما دام أن السلوك مكتسب، إذًا يمكن أن يعدل ويعالج؛ لأنه من الخارج، والعصبية من ضمن المشكلات النفسية والسلوكية المكتسبة للأطفال، مشيرًا إلى أن العصبية والعناد والكره وما شابه ذلك، هي رسائل يرسلها الطفل لوالديه كنوع من الشكوى وإثارة الانتباه في الوقت نفسه من شيء في نفسية الطفل لا يستطيع أن يعبر عنه الطفل بالكلام؛ كالمشاعر والأفكار والآلام والآمال والاحتياجات، بالإضافة إلى تسجيل اعتراضه على سلوك معين؛ وبالتالي على الأب والأم قراءة الرسالة، والانتباه إليها جيدًا، والاستعداد للرد عليها، ومحاولة حل المشكلات إذا وُجدت.

وأضاف أستاذ علم النفس التربوي: دائمًا ما يكون لدى الطفل قابلية للتغيير والتعديل؛ لأن الأصل أن يكون الطفل مبدعًا وإيجابيًّا وصالحًا، بالإضافة إلى أن كل طفل يتمنى أن ينجح وأن يكون محبوبًا ومتفوقًا، ولكن قد يفتقد المهارات التي تحقق له ذلك، كما أنه قد يفتقد المساعدة في بعض الأحيان بسبب غفلة الأب والأم عنه، قائلاً: نحن من نصنع سلوكيات أبنائنا، سواء الإيجابية أو السلبية؛ فالأب يشترك مع الأم في صناعة شخصية الطفل العصبية من خلال أسلوب التربية المستخدم مع الطفل، ودائمًا يقال في الأمثال: "أرني طفلك، أقل لك من أنت"؛ أي: أخبرني أيها الأب عن أسلوبك في التربية، ومن خلاله أتوقع تكوين شخصية أطفالك في المستقبل.

وشدد الدكتور سعيد أبو العزم على الآباء في ضرورة مساعدة الأطفال للقضاء على هذا السلوك السيئ حتى لا يستمر معه، ويكون سمة وعلامة أساسية في تكوين الشخص حتى الكبر؛ لأنه إذا استمر على هذه العصبية سيكون مراهقًا عصبيًّا، ثم شابًّا عصبيًّا، ورجلاً عصبيًّا، إلى أن يكون زوجًا عصبيًّا، وبالتالي ستستمر العصبية في أولاده وأحفاده والأجيال المتعاقبة بشكل متوارث، لافتًا إلى أن العصبية تكون في الكبار قبل الصغار، والأب قبل الابن، وهذا ليس دلالة قوة، بل دلالة ضعف في الشخصية، ودليل على وجود شيء ما خاطئ في نفسيته، وهذا ما يؤكده الحديث الشريف في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصُّرعة، ولكنَّ الشديد الذي يملِك نفْسَه عند الغضب)).

كما يرى الدكتور محمد السعيد - خبير التنمية البشرية - أن أهم ما يشغل الأسرة في الوقت الحديث هو كثرة الشكوى من عصبية الأطفال، إلا أنها لها عدة أسباب؛ منها أسباب عضوية خاصة بجسده، وأسباب أسرية خاصة بالأسرة نفسها، وأسباب تربوية خاصة بتربية الطفل وكيفية التعامل معه، وأسباب نفسية خاصة بنفسية الطفل ذاته، ومن ضمن الأسباب العضوية التي تزيد من العصبية عند الأطفال: زيادة إفراز الغدة الدرقية، ونقص الحديد، وفقر الدم في الجسد، بالإضافة إلى النوم متأخرًا والاستيقاظ متأخرًا، كما أنه أحيانًا يعاني الطفل من مشكلة تأخر الكلام؛ وبالتالي لا يتحمل الاستهزاء به فيقوم بتحويل طاقة الغضب هذه إلى عصبية.

وأضاف خبير التنمية البشرية: للعصبية سمات يستطيع الآباء من خلالها أن يتعرفوا على طفلهم ما إذا كان عصبيًّا أم لا؛ هناك أعراض جسدية تظهر على مستوى جسده، وأعراض نفسية، وأعراض عقلية، وليس بالضرورة أن تظهر العصبية الجسدية في "النرفزة" فقط؛ وإنما تظهر أحيانًا في الأزمات العصبية، وبعض حركات الجسد التي لا يمكن التحكم بها، بالإضافة إلى سرعة تحريك جفن العين، واهتزاز الكتف الأيمن بصورة مستمرة، وأيضًا امتصاص الأصابع، وأيضًا من مظاهر العصبية الجسدية: توتر الطفل دائمًا في الجلوس والقيام بسبب أو بدون سبب، ويصل إلى أن يكون سهل الاستثارة، كما أن الطفل يكون كثير البكاء، وهذا مما يدلل على توتره الدائم، وغيرها من الأعراض الجسدية التي يعبر بها الطفل عن حالة العصبية عندما لا يستطيع الكلام.

وأشار الدكتور محمد السعيد إلى أن الدور الأكبر يقع على الأب والأم بالمنزل؛ وذلك لأن الصراعات الزوجية القائمة بين الزوج والزوجة ينعكس تأثيرها على الطفل؛ لأن الطفل بشر يحس ويشعر، ويفهم ويبصر، ويلاحظ ما يحدث في المنزل من صراعات عائلية، فخيال الأطفال واسع جدًّا، لدرجة أن الطفل يتخيل نهاية العالم أمام عينه بسبب ما يحدث بين أبيه وأمه، وبسبب فقدانه الأمن والحنان من الطرفين يقوم بالتعبير عن إحساسه بالعصبية، لافتًا إلى أن الانفصال بين الزوجين أكثر الأشياء تأثيرًا على الأطفال؛ لأن الزوجين عادة ما يكونان مدركين نهاية المطاف، لكن الطفل لا يدرك ما يحدث، إلا أنه يتصور نهاية العالم ونهاية حياته، كما أن من أكثر الأسباب التي تنشئ وتنمي العصبية في الأطفال: الطلاق غير المبرر، وخاصة لو تعمد الأب تغيير صورة الأم عند الولد أو العكس؛ وذلك لأن الشخصية الإنسانية تُبنى على عاملين أساسيين، هما: الأب والأم؛ ولذلك إذا حدث طلاق، يجب مراعاة الأطفال؛ لأن كل ضربة يوجهها كل طرف للآخر تؤثِّر على الطفل قبل أن تصل إلى الطرف الآخر.

دور الأسرة في التخلص من العصبية:
وفي نفس السياق، يُشير الدكتور محمود النجار - أستاذ التربية - إلى أن هناك أسبابًا تربويةً تساعد على زيادة عصبية الطفل في الصغر؛ كطريقة الأب والأم، وأسلوب تربية الطفل ينعكس على شخصيته، والتعامل معه بطريقة متدنية؛ مثل استخدام القسوة في التعامل مع الطفل والتعذيب، والنقد والتوبيخ والتجريح، خاصة أمام إخوته وأصدقائه، موجهًا سؤالاً لكل أب: ماذا تنتظر من طفل تضربه بالسوط، أو طفل يُحبس في غرفة مظلمة بدون أكل وماء، أو طفل يلاقي كل أنواع التعذيب التي من الممكن أن يراها في صغره، أو حتى طفل لا يسمع من والديه إلا الانتقاد في كل دقيقة؟ كل هذا يؤدي في النهاية إلى انهيار الابن نفسيًّا ومعنويًّا، ولا يجد طريقة للتعبير عن انهياره غير العصبية.

وشدد أستاذ التربية على وجوب مساعدة الآباء لأطفالهم في التخلص من هذا السلوك السيئ؛ من خلال تحسين العلاقات الأسرية والزوجية، وبث روح التسامح والتعاون، ونبذ التعصب، والعمل على نشر الهدوء والاطمئنان داخل الأسرة، بالإضافة إلى العمل على التخلص من العصبية عن طريق إتقان فن التربية بالقصة، عن طريق قراءة القصص المتنوعة على الطفل قبل النوم، وإظهار الاختلاف بين القصص؛ كأن تحكي الأم لطفلها قصة ولد هادئ يمتلك صفات جميلة، ويكون اسم البطل في هذه القصة قريب من اسم طفلها، ونفس السن ونفس السمات والخصائص والبيئة المحيطة به؛ بحيث يتقمص الطفل شخصية هذا الطفل الهادئ الإيجابي؛ وبالتالي تتحول شخصيته من الشخصية العصبية إلى الهادئة الإيجابية المبادرة.

ليست هناك تعليقات:

إترك تعليقك

eyas seyam. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
جميع الحقوق محفوظة © 2014. تصميم : الورشة